دشّنت رئاسة الجمهورية العام الجديد بمراسيم خاصة بدارفور في خطوة سترسم واقعاً جديدًا للمنطقة هذا العام قد تعتبر بداية حقيقية لإنفاذ وثيقة الدوحة باكتمال تعيين ولاة حكومات دارفور باستثناء شمال دارفور. القرار الأول أعفى واليَي جنوب وغرب دارفور من منصبيهما وهما عبد الحميد كاشا وجعفر عبد الحكم..
ان إعفاء الأول وتعيينه في شرق دارفور الوليدة مفاجأة للجميع لجهة إجماع مواطني الولاية، عليه كما أنه الوالي الوحيد الذي حظي بثقة التحرير والعدالة والتي امتدحت تعاونه معها دون سائر الولاة وأصاب نجاحاً مقدراً بحسمه للتفلتات ومحاصرته للحركات، لكن كونه والياً منتخباً بواسطة قواعد مسألة لا يمكن الرهان عليها كثيرًا لجهة أن وضعية الولاية القانونية والدستورية تغيّرت بانشطارها لولايتين فضلاً عن أنه عيِّن وسط أهله إذ ينحدر من قبيلة الرزيقات ذات الثقل في تلك الولاية.. لكن من المرجح أن أولى الأسباب التي حركت كاشا من مكانه هي تقاطعات السياسة والقبيلة وعلاقة ذلك بالمركز. ويبرز في هذه المعادلة والي الولاية الأسبق وزير المالية الاتحادي علي محمود إذ برزت حرب إعلامية شابها التصعيد من جانب كاشا تجاهه وهي في مجملها أن علياً صاحب ذراع طويلة ممتدة للولاية رغم وجوده بالمركز وقضت المصلحة نقل كاشا وتأكد ذلك منذ تجديد الثقة في علي وزيرًا من الرئيس شخصياً وكما أن أمراً آخر لا يمكن تجاوزه وهو أن المركز في اختيار الولاة يستشير أبناء الولاية النافذين بالخرطوم ويأتي في مقدمة هؤلاء علي الذي يعدُّ أكثرهم قوة بوجوده في وزارة مهمة للغاية تعوِّل عليها الحكومة في الخروج من الزنقة التي هي فيها.. على كلٍّ، انتقال كاشا سيقلل من حرب التصريحات، فضلاً عن أن كاشا من السهولة بمكان أن ينجح في مهمته حال أغلق باب الذين يحاولون إحراقه سياسياً بعد أن تابعت «الإنتباهة» عصر أمس عبر مصادرها توافد الكثيرين إلى منزله بنيالا رافضين الخطوة ما يعني محاولة جرِّه إلى مقصلة الانتحار السياسي لكن ذكاء كاشا أعاد الأمور لصالحه إذ لم يبدر منه أي موقف، وعلمنا وصوله اليوم الخرطوم.. ولعله عُيِّن في شرق دار فور وهي ولاية حدودية مع دولة الجنوب كونه اكتسب خبرة وهو سياسي ما يجعل المركز مطمئناً بشأن هذه الثغرة، والأهم من ذلك أن الولاية غنية ما يجعل كاشا يهدأ وهو الذي ظل يهدد بالاستقالة لشح المال.
< أما خلفه في الولاية فهو حماد إسماعيل خريج أم درمان الإسلامية ومن أبناء الحركة الإسلامية المعروفين، كان أميناً للوطني بجنوب دارفور قبل المفاصلة إبّان ولاية الحاج آدم وعاد بعدها لوظيفته بوزارة الرعاية.. حتى الأمس كان مديرًا لمركز ثقافة المجتمع وينوب عن الوكيل.. وقد تم التأمين عليه وبالإجماع في المشاورات التي جرت، لكن التحدي الذي يجابهه لجهة بعده بعض الشيء عن الواقع السياسي بالولاية التي خرج منها بعد المفاصلة وبالتالي يحتاج لرعاية خاصة.. والمتتبع لولاة جنوب دارفور يرى أن المركز يدفع بأبنائها الموجودين في الخرطوم مثل علي وكاشا والآن حماد وهو أمر يحتاج تفسيراً.
لغز غرب دارفور
في غرب دارفور تم إعفاء جعفر عبد الحكم الذي خرج تماماً من دارفور وتم الدفع به مستشارًا للرئيس وعُيِّن حيدر قالوا كوما أتيم «نائب رئيس حركة التحرير والعدالة» وهو من مواليد قرية قوكر بضواحي الجنينة.. لكن غرب دارفور تستحق وقفة لأنها وللمرة الثانية تمنح للحركات بعد تجربة بائسة ومريرة لرئيس حركة التحرير الأم أبو القاسم إمام الذي أدارها لثلاث سنوات قبل أن يعود للتمرد مما كان يتطلب من الحزب عدم تكرار التجربة على الأقل في ذات الولاية، وهذا الأمر سيكون بمثابة تحدٍ لحيدر سيما وأنه صغير السن من مواليد العام 1975 وللمفارقة لم يسبق له أن عمل بالخدمة المدنية عدا فترة قصيرة أمضاها بوزارة الشؤون الاجتماعية بالولاية في العام 2003م عقب تخرجه في العام 2000 من القرآن الكريم كلية الشريعة والقانون نسبة لالتحاقه بالحركة الشعبية، ولذلك كان من الطبيعي أن يكون المسؤول العسكري في أول تشكيلة رسمية لحركة التحرير بقيادة عبد الواحد نور وكان ناطقاً رسمياً لحركة التحرير بقيادة خميس أبكر في 2007م ثم شكّل حركة التحرير «الخط العام» في 2008 وأصبح رئيساً لها، ومنها انضم إلى التحرير والعدالة وأصبح نائباً للرئيس في العام 2010م.. وبالعودة إلى فترة ما قبل الانتخابات السابقة توقع مواطن الولاية أن يسمي المركز سعد بحر الدين سلطان المساليت مرشح الحزب لمنصب الوالي وتجاوزه الاختيار وهو الأمر الذي دفع شقيقه أسعد للترشح باسم الحزب الاتحادي والذي حظي بأصوات مقدرة تؤهله للمشاركة الآن بعد مشاركة حزبه ويجدر الإشارة إلى أن سعد رشِّح الآن بجانب حيدر ورئيس التشريعي مصطفى محمد إسحق. وكان واضحاً أن معادلة القبيلة تفرض نفسها إذ أن حيدر ينحدر من ذات قبيلة السلطان ولكن مع ذلك قد يرى فيه مواطن الولاية صورة أبو القاسم إمام فضلاً عن أن الولاية تعاني من ضعف التنمية التي انحصرت إلى حد كبير في الجزء الثاني من الولاية.
مهمة صعبة لتبن
وفي ولاية وسط دارفور عُيّن د. يوسف تبن موسى والياً بعد منافسة مع جعفر عبد الحكم وصالح محيض «قيادي بالوطني في المركز ووزير سابق بدارفور ومحافظ سابق في الدندر» وتبن كان وزيرًا للبيئة ومرافق المياه بحكومة الخرطوم في يونيو 2010 ثم رئيساً للمجلس الأعلى للبيئة والنظافة بالخرطوم بدرجة وزير وعيِّن في المنصب الأخير في منتصف نوفمبر الماضي ما يدل على حالة التخبُّط البائنة على المؤتمر الوطني ومما يوحي أن تبن لم يكن هو المعني منذ البداية وإلا ماتم تعيينه في حكومة الخرطوم التي سيضطر واليها منذ مساء أمس للبحث عن وزير جديد وبالقطع هذا ليس تقليلاً من شأن يوسف الذي يتمتع بخبرة كبيرة إذ تخرّج في كلية الهندسة المدنية جامعة الخرطوم ونال الماجستير في مجال المنشآت، وعمل أستاذاً بكلية الهندسة بجامعتي الخرطوم والسودان، وله خبرة واسعة في تصميم المباني وشبكات المياه والأعمال المدنية.. وسبق للوطني إن وقع في ذات الخطأ عندما عين صلاح علي آدم وزيرًا للدولة بالعلوم ثم بالصحة وبعد فترة قليلة جدًا والياً لكسلا.. وتعتبر مهمة تبن هي الأصعب لوجود الحركات بالولاية خاصة وأن قياداتها من أبناء الولاية كأبناء زالنجي عبد الواحد نور وأبو القاسم إمام وأحمد عبد الشافع وآخرين فضلاً عن أبناء الولاية في المعسكرات. لكن ما يميزه أنه بعيد عن أي صراعات بالولاية وهو من الإسلاميين القدامى والمميزين وهو صهر الإسلامي المعروف د. التجاني عبد القادر.