تأسرني الكلمة الصادقة والمنطق الموضوعي والعبارة القوية. وقد وجدت ضالتي في مقال الأخ عثمان محمد عبد الدائم الذي عقَّب به على حيدر المكاشفي وأعجبني مقاله عن المتمرِّد خليل إبراهيم الذي سبق أن قارنت بينه وبين المتمرد داود بولاد فكلاهما أخلد إلى الأرض واتبع هواه وسقط من عل وتنكّر لآيات الله وانسلخ عنها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين.. ولكم حزنتُ أن بعض الزعماء كالصادق المهدي والترابي قد سقطوا في امتحان الوطنية حين كالوا الثناء لمتمرد خارج عن القانون وقلت حينها إنا نستحق بحق صفة بلاد الإباحية السياسية فأي بلاد بربِّكم يخلو قانونُها من إدانة جريمة الخيانة العظمى غير بلادنا؟!
إلى المقال:
بين المكاشفي وخليل إبراهيم
كتب الأستاذ / حيدر المكاشفي في عموده «بشفافية» بالعدد 6613 بتاريخ 27/12/2011 واصفاً خليل إبراهيم بالراحل «الكبير» والشجاع الباحث عن الموت، داعياً المؤتمر الوطني لطي الأعلام حداداً على وفاته واعترافاً ببطولاته كما فعل «ونستون تشرشل» الذي أثنى على شجاعة أنصار الإمام المهدي عليه السلام.
وفي بعض ما يكتب المكاشفي لا يصدر عن فكر أو رؤية بل ضغينة نتلمسها لا تخطئها العين ولا تعرف كنه مصدرها. فما بال الرجل يكيل الثناء لخليل القيادي الإسلامي الإنقاذي، شيء لم نسمع به منه ولم يصرح به إلا بعد انقلاب خليل على الإنقاذ.
أكاد أجزم أنه لو اشتعل عود ثقاب لأكد المكاشفي أن الخرطوم تشتعل، ولو شاهد طابوراً لرياض أطفال في طريقهم لحافلة تنقلهم لحدثنا الرجل بغلظة الإنقاذ في إخماد المسيرات. ونستون تشرشل يفرِّق تماماً بين أصحاب الرسالات وبين شُذّاذ الآفاق الذين جعلوا من القتل مهنة في سبيل استعلاء عنصري مزعوم فهل سمع أحدٌ أنه أشاد ببطولات جيش الفوهرر أو ببطولات جيش موسولينى أو أفراد الجيش الآيرلندي؟ فالإقدام والجسارة ترفدها قيم الوطن وقيم الحق وهذه ما تحلى بها الأنصار واعترف بها السياسي البريطاني.
فما القيم التي دافع عنها خليل وطلب من أجلها الموت؟ هل هي قيم الوطنية التي هبطت عليه وهو يعقد مؤتمر جماعته الأول بألمانيا وليس دارفور؟ أم هو استجداؤه المنظمات الكنسية لتمده بالمال والسلاح؟ أم استمد مُثُله الرفيعة من مكتبه بجناحه الخاص بأرقى الفنادق الليبية وليس من معسكرات النازحين أم المناصب والأموال المحتكَرة لذوي القربى والعشيرة.
وما هي مكامن العظمة في الرجل وهو يقتل العزل الأبرياء في طرابلس إرضاءً لولي نعمته ومموّل حملته. وما هي مواصفات «الكبير» التي يتصف بها وهو يهاجم القرى الوادعة في كردفان ودارفور ويرتهن أطفالها أسرى نفس ترى أن الله قد خصّها لتطهير هذا الوطن من سحنات ترى أنها لا تتجانس مع سمرة هذه القارة.
وما المثل الأعلى الذي قاتل من أجله خليل أهو الكتاب الأسود والذي لا يضارعه سوءاً سوى «برتوكولات حكماء صهيون» تجمع بينها كراهية الآخر وتجريده من كل قِيَمه والدعوة لسلبه من كل منفعة.
فالذين يعنيهم خليل في كتابه لم يبغوا على أحد ولم ينهبوا مال أحد ساهموا عن طيب خاطر في نشر العلم والثقافة في كل أرجاء الوطن دون منٍ أو أذى. تصاهروا مع كل قبائل السودان فكان نسيج الوسط هو وعاء السودان الجامع الذي يحفظ قِيَمه ومثله وحضارته وليس البحر حكراً لقبيلة ولايحرم منه وارد. فلماذا يؤكد خليل أن حدود دارفور هي مصر ودنقلا وكوستي، ولحساب من يحاول إلغاء ولايات ما كانت قط منبتةً عن أرض هذا الوطن؟
«أولاد البحر» قد سمعوا الصوت الذي أكده خليل لأطفاله من المقاتلين قبل غزو أم درمان وهو يهيب بهم «أسمِعوا صوت الجبخانة لأولاد البحر» سمعنا وفهمنا ونعلم أن خليل ومن لفّ لفه الحلو/ وعقار وعبد الواحد يرفعون راية التهميش وجنة المركز؟ لا لقضية نحمدها لهم؟ فليس في الشمال أو الوسط ما نملكه ولا يملكه الآخرون؟ ولكنهم يستهدفون تفكيك الروابط الاجتماعية والاقتصادية وإبدالها بتركيبة عنصرية كما حدث في زنجبار وراوندا والبوسنة وداغستان. وهذا ما نستوعبه تماماً؟ نتدارسه في مجالسنا وأنديتنا ونعلِّمه لتلاميذنا وطلابنا في المدارس، فالأمر لم يعد أمر دين فللبيت رب يحميه، إنما الأمر حياة أو موت أخذنا الحيطة واخترنا المعسكر الذي يشبهنا بقِيمه وعاداته وتراثه.
أما القضايا التي تحبرُ بها الصفحات كالديمقراطية والفساد والحكومة العريضة وأموال الدستوريين فلا شك أنكم تحسنون الكتابة حولها ويلازمكم فيها الكثير من الصواب ولكن هذا الصواب لن يصرفنا أبداً عن رؤية أشجار نراها تتحرك.
عثمان محمد عبد الدائم
الولاية الشمالية
دنقلا