قبل أيام انشقت مجموعة مؤثرة وحيوية وفاعلة من حركة العدل والمساواة، وعقدت مؤتمراً صحفياً في الخرطوم ركّزت فيه على أسباب خروجها على الحركة الأم، وتحدثت عن الممارسات البشعة داخلها والتصفيات التي تتم لقياداتها والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان والسجون في وادي هور وفي دولة جنوب السودان التي يرزح فيها عدد كبير من منسوبي الحركات خاصة من أبناء القبائل غير التي ينتمي لها رئيس الحركة السابق خليل إبراهيم ومجموعته الأسرية وعشيرته الأقربون.
ولم تمر أيام قليلة من هذا الحديث والتوقعات بما سيحدث داخل الحركة التي ما تزال تعاني من حالة الصدمة والذهول والفصام بعد مقتل رئيسها خليل إبراهيم، حتى تفجرت الصراعات حول منصب الرئاسة وهو صراع متوقع، وقد ذهبت كل التحليلات السياسية والصحفية عقب مصرع خليل إلى أن نشوب خلاف عميق وعاصف لابد واقع بوجود تباينات وتقديرات واعتبارات مختلفة بين مكونات العدل والمساواة أهمها رؤية القيادات الميدانية وتنافرها مع مجموعة الخارج المقيمة في العواصم الأوربية ويمثلهم جبريل إبراهيم شقيق خليل الذي يريد تكريس الزعامة في البيت الصغير ووراثة أخيه، وتتحجج القيادات الميدانية والمناوئون لرئاسة جبريل أو الطاهر الفكي، بأن الأخيرين لا علاقة لهما بالعمل العسكري ولم يدخلا الميدان أصلاً ولم يخوضا غمار المعارك والحروب الكثيرة التي خاضتها الحركة وغير مؤهلَين لترتيب وضع الحركة العسكري والسياسي بعد خليل.
المعروف أن الحركة في مكتبها التنفيذي الذي يسيطر عليه ذوو القربى لخليل وجبريل، اختار وفقاً للوائح الحركة ونظامها الأساسي الدكتور الطاهر الفكي رئيس المجلس التشريعي وهو من مناطق جنوب غرب النهود رئيساً مؤقتاً ريثما يتسنى عقد المؤتمر العام الذي حددت له جوبا أولاً، ولكن لتقديرات سياسية تتعلق بضرورة عقده بالداخل بغية مشاركة الكثير من القيادات الميدانية فيه، اقترح عقده بالداخل في وادي هور أو مناطق جبل مرة كما جاء في أخبار الصحف بالأمس...
وتتواتر الأنباء عن تقديم القيادات الميدانية للمهندس أبوبكر حامد نور لرئاسة الحركة وكان في السابق منسقها العام ثم القائد العام لها، وظل أبوبكر موجوداً في دارفور منذ تأسيس الحركة لم يغادرها إلا لماماً، ويحظى بتأييد كبير من القيادات العسكرية بالرغم من أن له صلة قربى أيضاً بخليل وهو من الإسلاميين الذين أسسوا هذه الحركة ، اختلف مؤخراً مع خليل قبل مقتله ويقال إن خليل أمر بسجنه ولم تتأكد هذه المعلومات بدقة.
المهم في كل هذا أن العد التنازلي لنهاية هذه الحركة قد بدأ ، فالخلافات عميقة جداً بين مكوناتها، وتوجد مرارات وأحقاد كان خليل يسيطر عليها بقوة قبضته وقهره لمخالفيه وتصفية من يراه يشكل خطراً عليه وعلى المجموعة التي تقود معه الحركة، ولا يساورَنَّ أحداً شك في هشاشة الوضع الداخلي للعدل والمساواة وهي على شفير هاوية الانقسام والتلاشي، لأنه من الصعب للغاية إيجاد مشتركات ومناطق وسطى بين المتصارعين على القيادة بالرغم من أن المؤدى النهائي سيخلص إلى قيام مجموعة المكتب التنفيذي المقيم في لندن باختيار خلف لخليل وعلى الأرجح جبريل شقيقه، ليصبح جبريل ومن معه الصوت العالي بالخارج دون أن يكون له وجود فعلي على الأرض، ويجد القادة الميدانيون وجنودهم أنفسهم في الدرب الآخر، فإما أن يختاروا السلام وينضموا إليه أو ينقسموا هم أنفسهم إلى مجموعات صغيرة تمارس النهب والعمل المنفرد حتى تيأس وتقنط وتحتار ثم تأوي إلى جبل السلام ليعصمها من طوفان النهايات غير السعيدة...
ولا يبدو كذلك أن هناك عاملاً خارجياً ضاغطاً على مجموعات الحركة المتحاربة حول الرئاسة، لأن الكل الآن في صحراء التيه والذهول ومن الصعب ترتيب أوضاع مزلقة ولزجة غير قابلة للتماسك ...!